كان الترويج لحقوق الإنسان في مختلف أنحاء العالم، يمثل ركناً أساسياً من أركان السياسة الخارجية الأميركية لعقود طويلة، إلى أن وقعت أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001. فمنذ ذلك الحين، وعلى الرغم من أن الأميركيين استمروا في تبني قضايا الحرية والديمقراطية، قوضت الممارسات المسيئة لحكومتنا قضايا النضال من أجل الحرية في العديد من مناطق العالم. وعندما تم الكشف عن حجم الانتهاكات الرهيبة التي ارتكبت في معتقل جوانتانامو في كوبا، وسجن "أبو غريب" في العراق، فقدت الولايات المتحدة سمعتها التي ترسخت لعقود طويلة كمدافع صلب عن حقوق الإنسان، وهو ما أدى بالتبعية إلى الحد من قدرتها على الحديث بمصداقية عن هذا الموضوع، ناهيك عن كبح جماح الطغاة والمستبدين، أو الحصول على تنازلات منهم. وقد ترتبت على ذلك نتائج مأساوية تجسدت في صورة حركات ارتدادية عنيفة مضادة للديمقراطية وناشطي حقوق الإنسان الذين أصبحوا الآن هدفاً للانتهاك وإساءة المعاملة، كما نرى في العديد من مناطق العالم. إن الدفع بقضيتي حقوق الإنسان والديمقراطية قدماً إلى الأمام، أمر ضروري للاستقرار العالمي، لا يمكن تحقيقه إلا من خلال جهود محلية -بطولية في معظم الأحيان- يقوم بها الأفراد الذين يرفعون صوتهم عالياً ضد الظلم والطغيان، وهي جهود يجب على الولايات المتحدة أن تكون حريصة على قيادتها بدلا من عرقلتها. ولو كنا قد استمعنا للتحذيرات المبكرة لنشطاء حقوق الإنسان في العديد من الدول، وحشدنا ما يلزم من دبلوماسية صارمة، وتدخلات فعالة، لكنا قد تجنبنا العنف المروع -والذي لا يزال في بعض الحالات مستمراً- في البوسنة، ورواندا، وإقليم درافور السوداني، وجمهورية الكونغو الديمقراطية. لقد احتفلنا أول أمس الأربعاء، الموافق العاشر من ديسمبر، بالذكرى الستين للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وليس من شك في أن قدوم إدارة جديدة ذات رؤية جديدة إلى البيت الأبيض، سيوفر لنا فرصة للتحرك بجسارة من أجل استرداد السلطة الأخلاقية التي تشكل الأساس المتين الذي تقوم عليه حركة حقوق الإنسان، على أن نأخذ في اعتبارنا ان الخطوة الأولى يجب أن تنطلق من الولايات المتحدة الأميركية نفسها. لقد وعد الرئيس الأميركي المنتخب، باراك أوباما، بإغلاق معتقل جوانتانامو ووضع نهاية للتعذيب، وهو ما يمكن تحقيقه من خلال إصدار أوامر تنفيذية بإغلاق المعتقل، وتفعيل المواد الحالية التي تحظر على الأجهزة الأميركية، بما في ذلك مكتب التحقيقات الفيدرالي(إف. بي. آي) ووكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي. آي.إيه) ممارسة التعذيب. يجب إيقاف كافة ممارسات اعتقال الناس سراً، ولأجل غير محدد، ودون اتباع الإجراءات القانونية، كما يجب إحالة كافة القضايا التي تتضمن مثل هذه الممارسات إلى محاكمنا التي أثبتت جدارتها في محاكمة المتهمين بالإرهاب. إضافة لذلك، يتعين علينا تأسيس لجنة تتكون من خبراء غير حزبيين، وتكليفها بإجراء مراجعة شاملة لممارسات الولايات المتحدة المتعلقة بحالات القبض دون مسوغ قانوني، وبحالات التعذيب، والاعتقال السري، والتسليم غير الاعتيادي، والتخلي عن الأوامر القضائية المتعلقة بالتحقيق في قانونية احتجاز الأشخاص، وغير ذلك من أمور ذات صلة. واعتراف الولايات المتحدة أمام العالم بأنها قد ارتكبت أخطاء، سوف يمنح جهودها الرامية إلى التحول إلى "اتحاد أكثر كمالا" مصداقية كبيرة، كما سيوجه رسالة تتردد أصداؤها في مختلف أنحاء العالم. وهذه الأفعال، في مجملها، سوف تساعدنا على استرداد مبادئ أمتنا، وتشجيع آخرين في الخارج ممن يريدون تحقيق معايير أخلاقية أعلى لمجتمعاتهم. من خلال ترتيب بيتها من الداخل، يمكن للولايات المتحدة استعادة سلطتها الأخلاقية، وامتلاك ليس فقط رأس المال السياسي، ولكن أيضاً المصداقية اللازمة للانخراط في حوار صريح يقوم على الاحترام، بشأن حماية حقوق الإنسان التي تمثل النواة الصلبة للسلام والرخاء العالميين. ونشطاء حقوق الإنسان الذين بدأ مؤتمرهم السنوي في مقر "مركز كارتر" في الولايات المتحدة هذا الأسبوع، ينتظرون بشوق استلام إدارة أوباما لمهامها رسمياً في العشرين من يناير المقبل. ففي باكستان يتطلع هؤلاء إلى الحصول على مساعدتنا من أجل استعادة حكم القانون، الذي تقوض عندما انحازت الولايات المتحدة إلى"برويز مشرف" الذي عمل على إضعاف المحكمة العليا المستقلة الرأي. والمدافعون عن الحركة المناضلة من أجل تحقيق الديمقراطية في مصر، يطالبون هم أيضاً بموقف أميركي صلب يدعم الانتخابات الحرة والعادلة، و يضع حداً لانتهاك حقوق المرشحين السياسيين الممثلين للمعارضة. كما يراود الأمل كثيرين في الشرق الأوسط بأن الولايات المتحدة سوف تتحرك بقوة وإصرار من أجل تقديم يد المساعدة في التوصل لحل للصراع الإسرائيلي -الفلسطيني، وهو المقياس الذي يقيس العالم العربي من خلاله التزام الولايات المتحدة بحقوق الإنسان. وفي جمهورية الكونغو الديمقراطية، يأمل المدافعون عن حقوق الإنسان، حيث تتعرض حياتهم لتهديد يومي، أن تمارس الولايات المتحدة ضغطاً على حلفائها في رواندا، وأوغندا، لسحب دعمهم للقوات التي تعمل كوكلاء لهما، وتنشر الخراب والدمار في هذا البلد. والجميع هناك، يوافقون على أن الولايات المتحدة يجب أن تعيد التعامل مع وكالات الأمم المتحدة، كي تجعل من تلك المنظمة أداة أكثر فعالية في مجال حماية حقوق الإنسان الذي يعتبر مجهوداً يجب أن تساهم فيه مختلف دول العالم. إن التأثير الأخلاقي للولايات المتحدة كان كبيراً على الدوام. ورئيسنا القادم لديه فرصة لم يسبق لها مثيل للقيادة من خلال القدوة والمثال، ومن خلال تقديم الإلهام والدعم، لهؤلاء الذين يسعون لتحقيق الحرية، وذلك من خلال التعامل بصلابة وحزم وفاعلية مع كل الذين يعملون على عرقلة مسيرة الحرية. ويجب على جميع الأميركيين أن يقدموا له المساعدة والدعم اللازمين لتحقيق ذلك. -------- ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"